|
بقايا غابة نخيل من غينيا جارت
عليها مخيمات اللاجئين |
كشفت مئات من صور الأقمار الاصطناعية والخرائط مدى الضرر الذي تعرضت له بيئة القارة السمراء "إفريقيا" خلال الـ 35 عاما الماضية، ما بين ذوبان الثلوج، وحلول المدن والضواحي محل الغابات، واختفاء العديد من الحيوانات البرية.
ففي اجتماع لوزراء البيئة بإفريقيا عقد في جوهانسبرج الثلاثاء 10-6-2008 برعاية ثابو مبيكي رئيس دولة جنوب إفريقيا والتي استضافت مؤتمرا عن البيئة تم فيه عرض نحو 300 صورة ملتقطة بالأقمار الاصطناعية لأكثر من 100 مكان في كل دول القارة. وتم تجميع هذه الصور من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة "UNEP" التي تتخذ من نيروبي العاصمة الكينية مقرا لها. ولم تخل الصور من بعض الصور الإيجابية والتي تجلت في انتعاش بعض الغابات والأنواع المعرضة للانقراض بفضل البرامج الحمائية التي انتهجتها الدول لحماية هذه الأنواع. وسلط المؤتمر الذي حمل اسم "إفريقيا: أطلس بيئتنا المتغيرة" الضوء على المدى الذي يمكن أن تذهب إليه خيارات التنمية للدول، والنمو السكاني، وتغير المناخ، والنزاعات المسلحة فيما تلحقه من أضرار وتأثيرات سلبية على الموارد الطبيعية للقارة. وقد تم عرض صور لكثير من الأماكن بعضها قبل 35 عاما، وأخرى بعدها؛ لبيان الفارق الذي طرأ عليها خلال هذه المدة والتي تركزت في شكل تغيرات سلبية، وإن كان القليل منها إيجابيا. وفي إشارة منه لتلك الإيجابية، وبلغة لم تخل من زهو تحدث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير التنفيذي لبرنامجها البيئي أكيم شتاينر قائلا: "كما يظهر الأطلس، هناك العديد من الأماكن بعرض إفريقيا أخذ الناس زمام الأمور فيها، يمكن أن نرى أشجارا أكثر عما كان عليه الوضع منذ 30 عاما مضت، وامتلأت مستنقعات بالمياه مرة أخرى، وتم مجابهة تجريف الأراضي". سلبيات مرعبة
| خريطة توضح إنحسار غابات أفريقيا |
ثم عرج أكيم على السلبيات والمشاكل البيئية التي حصرها في "اتساع رقعة المدن رمادية اللون فوق أراض كانت ريفا أخضر، فالمحميات تنحسر مساحاتها تحت زحف المزارع التي تضغط على تخومها، ومسارات شبكات الطرق تخترق الغابات، وتآكل الدلتات، ومخيمات اللاجئين عبر الحدود التي تنتشر بطول القارة وعرضها تشكل ضغطا كبيرا على بيئة القارة المنهكة، وتقلص في ثلوج جبال القارة". وبعدما خص أكيم ما تحدثه التقلبات المناخية من تقلص وانحسار ثلوج جبال كليمنجارو وهو الأمر المعروف على المستوى الإعلامي والعام بشكل جيد، لفت أكيم الأنظار إلى جفاف بحيرة تشاد، وانخفاض مستوى المياه ببحيرة فيكتوريا كما يظهرها الأطلس لأول مرة وهو الأمر الذي قلما تعرض له وسائل الإعلام ويتم نشره للعامة. كذلك كشفت صور الأطلس عن انحسار ثلوج جبال روينزوري الأوغندية للنصف في الفترة ما بين 1987 إلى 2003. وفي شمال الكونغو الديمقراطية كشفت الصور أن الممرات الضيقة التي تم شقها بين الغابات منذ عام 1975 أخذت في الاتساع؛ مما أدى لتدمير مساحات من الغابات، وما صاحب ذلك من مد لشبكات الطرق. المؤسف أن الطرق الجديدة تهدد بزيادة ارتياد الغابات المطيرة الغنية بتنوعها النباتي والحيواني، وزيادة حركة المرور عبرها مما يشعل الإعلانات عن التجارة القائمة على لحوم الحيوانات البرية. وفي جنوب إفريقيا، بالقرب من الحد الشمالي لـ"كيب تاون"، منذ عام 1978 جرى استبدال المزارع والضواحي بحدائق طبيعية غناء مزهرة نادرة، وهي للأسف تحتوى وحدها على نحو 9 آلاف نوع من النباتات، منها نحو 6200 نوع غير موجودة في أي مكان آخر على البسيطة. كما أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية انحسار الأشجار بجبل مرة غرب السودان؛ حيث تختفي النباتات في هذه المنطقة نتيجة للنمو السكاني ولنزوح اللاجئين الهاربين من النزاع الدائر في شمال إقليم دارفور السوداني. كما أظهرت صور أخرى أن الاتساع السريع للعاصمة السنغالية داكار خلال النصف الأخير من القرن الماضي، من مجرد تجمع بسيط إلى امتداد عمراني كبير للعاصمة يقطنه نحو 2.5 مليون نسمة، وجرى هذا التوسع في الفترة بين عامي 1990 و2004. إيجابيات مبشرة ورغم الصورة القاتمة التي أظهرتها الصور والخرائط فإن بعض الإيجابيات تم رصدها من خلالها؛ حيث إن عددا قليلا من بلدان القارة الإفريقية اتخذ من الإجراءات الحمائية ما كفل تحسين أوضاع بعض البيئات، ومن بين هذه الإجراءات: التوسع في المناطق المحمية والتي بلغ عددها نحو 3 آلاف تنتشر عبر القارة. فمثلا اتخذت تونس إجراء لإيقاف الرعي الجائر في منتزه سيدي توي مما عزز فرص انتعاش النظام البيئي فيه، الأمر الذي كان له عائد إيجابي حمى عدة أنواع من الغزلان كانت على شفا الانقراض. كما أن سياسات جديدة وتحسينات طرأت في مواجهة الاستغلال الجائر للغابات في جبل كينيا، وهي منطقة حيوية فيما يتعلق بالموارد المائية وتوليد الطاقة من سقوط المياه أعاد شيئا من الاتزان الحيوي لتلك المنطقة. أما في النيجر، فإن مبادرات المزارعين لزراعة الأشجار مجددا وحماية الأشجار من الاقتلاع أحيا من جديد إقليم تاهوا؛ حيث أظهرت دراسة جديدة أن كثافة الأشجار تتراوح ما بين 10 إلى 20 ضعفًا عما كانت عليه قبل سبعينيات القرن العشرين. بينما حالت مراجعة تمليك أراضي الغابات في ليبيريا دون تدهور الحياة في غابات منتزه سابو الوطني، فضلا عن حظر أنشطة المناجم والمحاجر بجواره. نتائج هامة
| صورتان تبرزان التصحر الذي أصاب خلال عام منطقة واحدة بين تنزانيا وكينيا |
من أهم النتائج التي خلص إليها المؤتمر من خلال تلك العروض هي فقدان الغابات وانحسارها في 35 بلدا من بلدان القارة الإفريقية من أهمها جمهورية الكونغو وملاوي ونيجيريا ورواندا. كما تدهور التنوع الحيوي في نحو 34 بلدا من أهمها أنجولا وإثيوبيا والجابون ومالي. وتم تجريف الأراضي في 32 بلدا من بينها الكاميرون، وإريتريا وغانا، مع زيادة التصحر في بوركينا فاسو وتشاد وكينيا والنيجر. إن التلوث والامتداد العمراني تسببا في فقد إفريقيا ملايين الهكتارات من الغابات كل عام، وهو معدل ضعف المعدل الذي يتم به اختفاء الغابات في العالم كما أظهر الأطلس. فمن بين أكبر 10 بلدان يحدث فيها اختفاء سريع للغابات بمعدل سنوي عال هناك ستة في إفريقيا وحدها، فهي تفقد ما يوازي 40 ألف كم مربع أو بمعدل 0.6% سنويا. وتحدث أكبر عمليات انحسار للغابات في الدول ذات الغابات الكثيفة بسبب استغلال أراضيها في الامتداد العمراني والاستزراع، أو بسبب صيد الحيوانات البرية مما يخل بالنظام البيئي فيها، وكذلك قطع الأشجار للانتفاع بأخشابها، وتحويلها لفحم نباتي، كما أن الاضطرابات أحد أهم أسباب اختفاء الغابات في إفريقيا. وتفقد تربة إفريقيا ما يوازي 50 طنا لكل هكتار سنويا، وتعد إفريقيا أحر قارة في العالم؛ حيث تغطي الصحراء والأراضي البور ما يزيد عن 60% من مجمل مساحتها، ويعاني نحو 300 مليون نسمة من سكانها من ندرة المياه. وتقف التغيرات المناخية خلف الكثير من المشاكل البيئية في إفريقيا، فضلا عما تسهم به كعامل مساعد للتغيرات الحادة الجارية. ورغم أن إفريقيا لا تنتج سوى 4% من إجمالي غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحترار العام، إلا أنها أكثر القارات تأثرا بشكل سلبي بسبب التغيرات المناخية. وتعد قدرة دول القارة الفقيرة الأدنى بين دول قارات العالم في مواجهة آثار التغيرات المناخية؛ نظرا لانتشار المجاعات، وضعف استغلال الموارد والقدرة على مواجهة المشاكل والأزمات، والنزاعات العرقية والسياسية والانقلابات، وقائمة طويلة من المشاكل المزمنة التي تعانيها القارة. |