بريادة «إيسوس تيك» التايوانية أطلقت شركة إيسوس تيك في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 جهاز الحاسوب المحمول، صغير الحجم خفيف الوزن رخيص السعر، الذي يعرف بـ «حاسوب الإنترنت اللاسلكي». وحققت الشركة بذلك قصب السبق وبزت منافسيها في هذا المجال.
ما هو أقوى الأجهزة الشخصية تأثيراً خلال السنتين السابقتين؟ هل هو جهاز كِندِل من «أمازون»؟ أم جهاز آي فون من «أبل»؟ أم جهاز بلاكبيري من «رسيرتش إن موشن»؟ جميع هذه المنتجات الأمريكية الشمالية هي أجهزة مهمة، ولكن الجهاز الفائز في رأيي هو جهاز إي بي سي Eee PC الذي تصنعه «إيسوس تيك»، الشركة التايوانية.
جون جابر</SPAN>
يقول بوب أودونل، من مؤسسة الأبحاث «آي دي سي»، في معرض حديثه عن شركة إيسوس تيك التي أطلقت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2007 جهاز الحاسوب المحمول، صغير الحجم خفيف الوزن رخيص السعر، الذي يعرف بـ «حاسوب الإنترنت اللاسلكي»، الاسم (الذي ثبت فيما بعد أنه لا ينطبق عليه): «كثير من الناس استهزأوا بالجهاز، ولا بد أن أعترف بأنني كنت في البداية من الأشخاص الذين ارتابوا في قيمته».
قليل من المحللين هم الذين أدركوا أهمية جهاز إي بي سي لأنهم لم يظنوا أن الناس في البلدان المتقدمة سيرغبون في شراء جهاز لا يتمتع بإمكانات قوية وله شاشة صغيرة ولوحة مفاتيح صغيرة. من جانب آخر فإن الشركات الأمريكية من «ديل» إلى «مايكروسوفت» و»أبل» كانت تحدق بنشاط وذكاء في اتجاهات أخرى.
مع ذلك بعد مرور سنتين نجد الأدلة على الأثر المنتشر لجهاز الإي: من الآفاق الضعيفة في تقارير شركة ديل في الأسبوع الماضي إلى إعلان شركة جوجل أنها ستنشئ نظاماً بديلاً لنظام وندوز في تشغيل الحاسوب اسمه كروم، وقرار «مايكروسوفت» في عرض نسخة مجانية على الإنترنت من برنامجها المعروف «أوفيس».
جهاز إي بي سي من «إيسوس»، والأجهزة المنافسة الأخرى من «إيسر»، وهي شركة أخرى من تايوان، عملت على تحويل وإقناع المستهلكين وأحدثت اضطراباً كبيراً في صناعة الحاسوب الشخصي، وكان من شأنها تقليص الإيرادات والهوامش في شركات البرامج والأجهزة. كل الشركات، باستثناء «أبل»، انتهى بها المطاف إلى أن تكون وراء «إيسوس تيك».
لكن هذا يترك لنا سؤالاً دون جواب. إذا كان الحاسوب اللاسلكي الصغير، الذي يعَرَّف الآن بأنه حاسوب صغير له شاشة قطرها عشر بوصات ويبلغ سعره ما بين 300 دولار إلى 600 دولار، ويزن اثنين أو ثلاثة أرطال ويعمل في العادة على رقاقة أتوم من شركة إنتل، إذا كان يتمتع بهذه الجاذبية الكبيرة، فلماذا احتاجت الشركات إلى وقت طويل حتى تأتي بالفكرة؟ أحد الأجوبة عن هذا السؤال هو أن الشركات الأمريكية ارتكبت خطأ. يقول ويلي شيه، وهو أستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد يزور تايوان حالياً ليتابع أبحاثه حول ظاهرة الحاسوب اللاسلكي الصغير: «لقد ظنت الشركات أن أداء هذا الجهاز سيكون ضعيفاً إلى حد كبير وأن الناس لن يهتموا به نتيجة لذلك».
الفكرة الأصلية لهذا الجهاز جاءت من المشروع الذي كان يتولاه نيكولاس نيجروبونته، وهو أستاذ في معهد ماساتشوسيس للتقنية، بعنوان «جهاز حاسوب محمول لكل طفل»، وهو مشروع يهدف إلى تقديم أجهزة حاسوب صغيرة ورخيصة إلى الأطفال في البلدان النامية. جهاز الحاسوب الذي دخل المشروع كان جهاز إكس أو XO المحمول من إنتاج شركة كوانتا، وهي شركة تايوانية، وهذا ما شجع «إيسوس تيك» على تجربة الموضوع وإجراء الاختبارات. أجهزة الحاسوب اللاسلكي الأولى كانت لها ذاكرة محدودة وكانت تعمل على نظام التشغيل لاينوكس (وليس وندوز). ولكن حين ارتفع حجم الشاشة (النوع الأول من جهاز إي بي سي كانت له شاشة من سبع بوصات) وأصبح نظام التشغيل هو وندوز إكس بي، اندفعت مبيعات هذه الأجهزة إلى الأمام، وساعدها في ذلك قيام «إنتل» بإطلاق الرقيقة أتوم في آذار (مارس) 2008.
هذا هو التفسير البريء. لكن التفسير الذي يتسم بالهزء هو أن الجهاز استغرق وقتاً طويلاً قبل أن تفطن إليه الشركات لأن بعض الشركات كانت تفضل ألا تنجح أجهزة الحاسوب اللاسلكي الصغيرة. التحالف الثلاثي بين «مايكروسوفت» و»إنتل» و»ديل» فضل بدلاً من ذلك أن تصبح أجهزة الحاسوب المحمول أقوى من حيث الأداء وأن تعمل على نسخ أجمل من برنامج وندوز.
من حيث الإيرادات فإن ما حدث كان طريقة لمعاكسة الآثار الانكماشية في الأسعار التي ينص عليها قانون مور (إلى جانب التعاقد على تصنيع الأجهزة مع شركات في تايوان والصين)، حيث إن تكلفة المعالجات القوية للبيانات يغلب عليها باستمرار أن تقل بمرور الزمن (في حال تساوي العوامل الأخرى).
شخصياً كنت دائما أرغب في جهاز حاسوب محمول يكون خفيف الوزن رخيص السعر وله بطارية تدوم طويلاً ولوحة مفاتيح أنيقة ويستطيع الاتصال بالإنترنت ويؤدي المهام الأساسية مثل معالجة النصوص. ولكن هذا الجهاز لم يكن موجوداً. الأجهزة الأولى التي كانت تعمل من خلال جهاز ذاكرة محمول (فلاش) مثل جهاز تاندي 200 وجهاز جورنادا من «هيوليت باكارد»، جاءت ثم ذهبت، مخلفة وراءها فجوة.
الشركات الأمريكية الكبيرة لم تقبل إلا بإنتاج لوحات صغيرة وأجهزة لها لوحات مفاتيح دقيقة، لأنها لم تكن تريد الإضرار بمبيعات أجهزة الحاسوب المحمول. الأجهزة التي في حجم الحاسوب اللاسلكي ازدهرت في اليابان، ولكنها كانت غالية الثمن.
لكن كان لا بد من قدوم شركة مثل «إيسوس تيك»، التي استطاعت إضعاف القبضة القوية للشركات الاحتكارية الكبيرة وقامت بصناعة الجهاز الذي كنت أريده أنا وكثيرون غيري، كما تبين فيما بعد. بمجرد أن قامت «إيسوس» بذلك، استسلمت جميع شركات الحاسوب، من «إيسر» إلى «ديل» و«هيوليت باكارد».
تصادف هذا مع لحظة الغرور عند «مايكروسوفت»، التي أنشأت نظام التشغيل وندوز فيستا، المنتفخ والمليء بالمشكلات، وكان تشغيله يتطلب كميات كبيرة من الذاكرة ورقيقة ذات إمكانات قوية. حتى تنتصر «مايكروسوفت» على «لاينوكس»، اضطرت إلى القبول بأن تعمل أجهزة الحاسوب اللاسلكي المحمول على نظام وندوز إكس بي.
لا تزال «مايكروسوفت» و«إنتل» تحاولان محاصرة الحاسوب اللاسلكي من خلال تعريفه بأنه نوع ثالث من الأجهزة، إلى جانب جهاز الحاسوب المكتبي وجهاز الحاسوب المحمول. أذاعت «إنتل» استخدام تعبير الحاسوب اللاسلكي وتضع «مايكروسوفت» حدوداً صارمة على الذاكرة والشاشة حين تمنح الترخيص باستخدام نظام التشغيل.
لكن المستهلكين لا ينصتون. في دراسة أجرتها «آي دي سي» في أيار (مايو) تبين أن مالكي أجهزة الحاسوب اللاسلكي لا يميزون بين الأجهزة الأخرى، وهم أبعد ما يكون عن اعتبارها أجهزة مخصصة فقط للاتصال اللاسلكي بالإنترنت ولا شيء غير ذلك. يقول أودونيل: «الناس يستخدمون هذه الأجهزة على نحو يكاد يطابق استخدامهم لأجهزة الحاسوب المحمول التقليدية».
تدرك «مايكروسوفت» على الأقل أنها لا تستطيع تجاهل أجهزة الحاسوب اللاسلكي، وستصمم نظام وندوز 7، وهو نظام التشغيل الجديد من «مايكروسوفت»، للعمل على تلك الأجهزة. لكن «أبل»، التي يمكن أن تخسر كثيرا من إضعاف جهازها ماك بوك، لم تدرك ذلك حتى الآن.
يقال إن «أبل» تعمل على تصميم شاشة تعمل باللمس دون الحاجة إلى لوحة مفاتيح، كاستجابة منها على تحدى أجهزة الحاسوب اللاسلكي. ستيف جوبز كبير التنفيذيين في الشركة يتحدث بنوع من الازدراء عن هذه الأجهزة، وهذا نوع من العناد.
أغلب ظني أنه لن يستطيع تجنب صناعة جهاز يطلق عليه مثلاً ماك بوك نت (أي جهاز الحاسوب اللاسلكي ماك بوك). «مايكروسوفت» و«إنتل» و«ديل» والشركات الأخرى حاولت مقاومة الدفع القوي لهذا الجهاز، ولكنها فشلت. تحدث المستهلكون وأعربوا عن رأيهم، بصرف النظر عما إذا كان جوبز غير مرتاح لهذا الرأي.
لكن لا بد من إعطاء الخيار للمستهلكين قبل أن يستطيعوا التعبير عن رغباتهم. ولأن جهاز إي بي سي من «إيسوس» استجاب لهذا الرغبات، فازت الشركة بالجائزة.