إذا أردت الزواج، فاظفر بالالتزام!
بسم الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
لطالما كان الزواج ملاذ الكثير من شبابنا من هذه الغوغاء المنتشرة، والفوضى العارمة، والغربة الخانقة، فكان الزوج بذلك ملجأ وأنسا، أخا وأبا وحبيبا وصاحبا ورفيقا في الطريق واختلف الناس في اختيار رفقاء دربهم، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ، فمن أصاب فقد ظفر بغايته ونالها، ومن أخطأ ازدادت حياته ضنكا وغما، ولم تكن شريعتنا السمحاء لتغفل عن أمر بهذه الأهمية، فهذا حبيبنا صلى الله عليه وسلم يوجه الشباب ويعنيهم في اختيارهم، ويطرح لهم الأسباب التي على أساسها يختار الواحد رفيق دربه، فقال صلى الله عليه وسلم:
تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها وما كان صلى الله عليه وسلم ليدعنا هكذا، تائهين، نجرب هذه وهذه وهذه دون أن نظفر بغايتنا ألا وهي السعادة، فكان توجيهه لنا بمثابة توجيه الأب لابنه فقال..
"فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ " مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
كثير منا قد يغره جمال أو نسب أو مال، وهذا كل إلى الزوال، وكثير قد يتحسس من الزوج الملتزم، فيكون لسان حاله، أنا أريد أن أعيش حياتي فالالتزام عندهم هو قتل للمشاعر الجميلة، وللحياة المنيرة، الالتزام مجرد ظلام صبر مع كتم غصة، ولا جرم أن هذا هو أكبر الغرر والله فالالتزام نور على نور، سعادة ما بعدها سعادة، وصفه أحد الصالحين فقال والله، والله لو يعلم أبناء الملوك ما نحن فيه لجالدون عليه بالسيوف إن زواجك من شخص ملتزم، لهو أكبر الربح، فإن كان غنيا أكرمك وأحسن إليه وآثر هواك على هواه، وإن كان جميلا أو ذا حسب، آثرك بما تحبه أنت وتشتهيه وقضى لك مصالحك، فحبه لك حب صادق لا يكذب ولا يخون ولا يداهن، فهو يريد النجاة لك وله، ويريدها لك أكثر، ويريد السعادة لك وله ويريدها لك أكثر، لا تنام عيناه إلا برضاك، ولا يطمئن له بال ولا يستقر له قرار إلا بسعادتك وطمأنينة بالك، ثم ألم تعلم أن العز في كنف العزيز؟
ومن يقربك من العزيز، أجمال يمنّ ليل نهار، ويصدك عن ذكر الجبار؟!!
أم صاحب مال يجرك من متاهة إلى متاهات، ومن إغراء إلى إغراءات، ضيع عليك دينك وافسد دنياك، أم صاحب نسب يشغلك بذكر العباد عن ذكر رب العباد؟!!
إنما الملتزم، لا يرضى لك إلا الجنان، يدخلك جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، فأنت معه من ذكر إلى تلاوة قرآن، وإن حدثته أو ناجيته، فلا أُخبركَ عن طيب كلامه وحسن بيانه، تأنس بحديثه، وتطرب له، فلا أنت تطيق فراقه ولا أنت تريد ضياع مصالحك
جربها احدهم فقال والله إني لأشتاق لتلك الساعة التي أعود فيها إلى البيت فأنظر إلى وجه زوجتي
قال الشيخ ابو إسحاق الحويني :"وتأمل في قوله " فاظْفَرْ " فكأنك في معركة،فإذا ظفرت به ظفرت بشيء نفيس وغال جدا، فالزوج المتدين هو سعادة الدارين" بتصرف عنه حفظه الله...
وانظر إلى قوله كأنك في معركة، ففي المعارك الناس ترخص النفوس طلبا لإعلاء رايتها ونصرة قضيتها، فعليك إذن هنا أن تبذل النفس في سبيل نيل هذا الكنز العظيم، الذي إن ضاع منك فقد اضعت خيرا عظيما ولا جرم كذلك أن الدين خير، فلو أخذنا فَرضا ، والكلام على الجنسين سواء، فلوأخذنا فرضا أن الذي ببحث ويختار هو الرجل، فاختار الغنية ذات المال والترف، فإن لم تكن ذات دين، فستتعسه، وتقبح حياته، فالمرأة كما يقال، المرأة إذا زاد عندها المال، غلب عندها الطغيان
وذات النسب كذلك، إن لم تكن ذات دين، فسيعيش معها حياة ذليلة يأبى الحر أن يعيش مثلها، وكذا ذات الجمال، فهي من فخر، إلى عتاب، إلى منة، والرجل لا ينفك منها مغلوبا محسورا رأسه إلى الارض، لسان حاله طلب العذر والسماح،
فالكلمات البراقة والمظاهر الخلابة لا تغني إذن عن الجوهر شيئا، فالفطن الذكي من ظفر بالالتزام والدين، فإن صاحبه جمال ومال ونسب لم يضره شيئا بل ذاك زيادة في الأنس وتثبيتا لأواصر المحبة، فصاحبه يعلم أن هذا كل من منة الله عز وجل، وان الأساس هو الدين وهكذا يعم التوافق وتظهر السعادة، ويتحقق الأمن الاجتماعي بتحقيقه بين كل زوجين، ونصنع بذلك جيل التمكين الذي افتقدته الأمة زمانا.